بقـــايا ..

أنا موجة هائجة في عرض المحيطات، لا يحتفظ بها مرفأ على كفاءته، ولا ينقطع بها الترحال ..

الأربعاء، 12 مارس 2008

الحي القديم ..

كنت جالساً منفرداً بنفسي وقد تملكني شعور بالضجر والملل وبدت على وجهي علامات الضيق وعدم الرضا .. شعور لا نهاية له، ففكرت أن أعمل شيئاً جديداً أغير فيه نمط السلوك المميت الذي تعودنا عليه كل يوم وأكسر حاجز الروتين ..

خرجت من المنزل وكانت نيتي زيارة بيت والدي الذي ما زال في حينا القديم .. وما زال والدي متمسكاً به تمسك الصغير بلعبته المفضلة، ومازال خيالي سابحاً في الفضاء يجوبه بحثاً عن فكرة مسلية وجديدة، وما إن وقع بصري على سيارتي " والتي أظن أنها تعاني نفس المشكلة " حتى مددت يدي إلى جيبي لأخرج منه مفاتيحها .. وهنا توقفت لبرهة وقلت في نفسي .. وجدتها !! لما لا أقضي مشواري اليوم سيراً على الأقدام؟! " على الأقل لكسر الروتين " وكنوع من التجديد وتجربة قناعٍ آخراً من أقنعة الحياة الملونة .. مع ادعاء ممارسة الرياضة، وبالفعل بدأت أسير وأنا أنظر إلى تفاصيل شارعنا التي لطالما تعذر عليَّ التدقيق فيها وأنا راكب سيارتي حتى وصلت إلى الطريق العام.

ومن هناك سلكت طريقاً فرعياً كان شبه مظلم وأنا مازلت مسترسلاً في النظر والتحديق في أدق التفاصيل، وقد شدني ذلك المنظر الذي خلفته الأمطار في الشوارع حيث جرفت كل شيء في طريقها إلى زوايا المكان وكأنها الأيام التي تمر وتجرف معها كل الذكريات السعيدة لتكومها وسط سويداء القلب فتكون كمتنفس للروح عندما ترجع إليها وتعيد التفكير فيها ..

وهنا تخيلت نفسي وكأني أرتدي معطفاً بالياً وأمسك بيدي عصاً صغيرة وأنا أتلفت يمنة ويسره وكأني ذلك العجوز الذي تعودت أن أراه عندما كنت طفلاً وهو يجوب شوارع المدينة ليلاً وكنا ندعوه بـ " العسس "، وكانت مهمته المحافظة على آمن المدينة عندما يخيم عليها الظلام وينام أهلها ..

ما زلت أسير وأمتع نظري بكل شيء حولي وخاصة تلك الحركة العفوية التي كان الجميع يقوم بها دون أن يلاحظ أن هناك من يراقبه من خلف " الكواليس " كما يدعونها ..

وصلت إلى أرض واسعة وكنت أمر عليها كلما أردت الذهاب إلى هناك ولم ألاحظ وجود شيء مختلف عن العادة في تلك الأرض إلا أن مسجداً صغيراً قد أقيم فوقها، وكان المسجد عبارة عن غرفة واحد كبيرة مبينة من الخشب وضع لها سقف مستعار ليحميها من المطر ..

قررت أن أدخل وأصلي فيه " خاصة وأنه أقترب موعد صلاة العشاء " .. دخلت إلى هناك فتذكرت تلك الأيام الخوالي عندما كانت أغلب المساجد على هذه الشاكلة حتى أصبحت الآن تمثل أروع التصاميم الهندسية وأجمل الزخارف الإسلامية، وكلنا يعلم أنها من علامات الساعة الصغرى ..

توجهت إلى فراغ صغير في الصف الثاني وجلست به أنظر إلى وجوه المصلين وقد كان المسجد في منطقة تضج بالعمال لكثرة المحال فيها، لهذا كان أغلب المصلين من العمال الأجانب الذين رفدوا إلى هذه البلاد طلباً للقمة العيش ..

كانت وجوههم محملة بالهموم وآثار التعب والكدح .. ففراق الأحبة والأهل أمر ليس باليسير .. كنت أحس أن شكواهم مكتوبة على جباههم ولكن لا يستطيع قراءتها أي أحد، فمن يكترث بهموم غيره في هذا الزمان ..

انتهينا من الصلاة .. جلست هنيئة ثم خرجت لأكمل سيري من جديد ..

شدني مظهر شيخ طاعن في السن كان ينتظر في موقف للحافلات، فوقفت إلى جانبه وكان يمسك بمسبحة يلهو بها بين أصابعه وأضنه كان يذكر الله ويسبحه، مر وقت قصير بعده وصلت الحافلة وصعد إليها وهو يبحث عن مكان ليجلس فيه ..

وصلت إلى منزل والدي وقد أرهقني المشي .. ولكني استمتعت بذلك التغيير وإن كان البعض يعتبره نوعاً من الجنون ..

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

روعة! استمتعت بالقراءة في هذا الصباح بينما كنت أبحث عن موضوع إنتاج كتابي لابني حول الحي! شكرآ

Unknown يقول...

الموضوع مفيد شكرا جزيرا

طهر وبراءة

طهر وبراءة
ما أجمل الحياة حينما ننظر لها بعين طفل