بقـــايا ..

أنا موجة هائجة في عرض المحيطات، لا يحتفظ بها مرفأ على كفاءته، ولا ينقطع بها الترحال ..

الاثنين، 10 مارس 2008

أشواق عاصفة ..



عبثاً كان يحاول غض نظره عن تلك القعقعة والجلبة في داخله، وعبثاً حاول جاداً بأن يشغل نفسه بأي شيء حوله لينهي رحلة التفكير تلك، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل..أخذ منه الشوق والتحنان لحبيبته ما أخذ، خصوصاً أنه قد مر زمن منذ آخر مرة التقيا فيها سوياً، وكعادته ورغم كل التحديات التي كانت تواجهه في زحمة الحياة لم يجد مفراً من الإبحار مع عواطفه وأحاسيسه التي كانت تحمله إليها..كان شوقه لها يظهر عليه من خلال تلك الابتسامة الشفافة المرتسمة على شفاهه كلون السحاب الطاهر الذي لم يلامس قسوة البشر، هرع إلى أوراقه لينفض عنها الغبار الذي علاها بعد هجره لها، وجد أن تلك الأوراق لم تفقد بياضها ولم يطفئ مداد الكلمات وهجها..لم يستطع مقاومة إلحاح الحروف وصدى الكلمات التي سيطرت على مخيلته وجل تفكيره وهو غارق بها، أمسك القلم براحة يده ينظر إليه ولسان حاله يقول: كم أنت مخلص بالولاء لي أكثر من أي شيء أخر عرفته في حياتي!!أطلق لقلمه العنان ليسبح في فلك الكلمة فهي وسيلته الوحيدة للتعبير عن ذاته وعن مدى حبه لها، كما أنها السبيل الوحيد لإنطاق أفكاره التي لطالما بقيت خلف جدار الصمت القاتل، لم يصل إليها أحد..علا صرير قلمه على سطح أوراقه وكأنه يئن متأثراً بنزف جراحه، ذلك النزف الذي لطالماً سطر الجمال وصنع منه منظومة لا تمل الأعين من قراءتها ولا الأرواح من التحليق معها، فعباراته كانت تأسر قلوب قارئها وترحل بها بعيداً حيث الإبداع وروعة التعبير..راح يكتب ويكتب حتى أحس أن قلمه قد غار في يده وصار يستنزف دمه بدلاً من المداد ليكمل مشواره على تلك الصفحات التي بدأت تتزين بالسواد وكأنها عروس ستزف إلى عريسها..وضع قلمه جانباً ثم بدأ يتأمل فيما كتبه، وفي نفس الوقت كان يتخيل طيفها يقف أمامه، ذلك الملاك الطاهر الذي صوره الله في أبدع صورة وأجملها، ضم أوراقه إلى صدره وألقى بنفسه على تلك الأريكة الجاثية في أحد زوايا غرفته وراح في سبات عميق ليكمل ما قد بدأه، حتى في نومه لا يكل ولا يمل من التفكير بها..تنبه من قيلولته تلك، جمع أوراقه ومعها أشواقه، ضمها إلى صدره مرة أخرى، عطرها ثم قبلها، وضعها في ظرف صغير تزخرفه الورود والفراشات، هرع إلى أقرب صندوق بريد قريب منه، مد يده إلى فتحة الصندوق وبصره كان يحدق في ذلك الظرف الصغير وكأنه يستجديه ليبلغها محبته وأشواقه، رمى الظرف في الصندوق وعاد أدراجه إلى حيث غرفته، مكتبه، أوراقه، أقلامه، والغربة التي يعيشها وهو بعيد عنها..

ليست هناك تعليقات:

طهر وبراءة

طهر وبراءة
ما أجمل الحياة حينما ننظر لها بعين طفل