بقـــايا ..

أنا موجة هائجة في عرض المحيطات، لا يحتفظ بها مرفأ على كفاءته، ولا ينقطع بها الترحال ..

السبت، 15 مارس 2008

مازال الوقت مبكراً،


مازال الوقت مبكراً، فلقد بقي ساعتان من الوقت على موعد رحلتي بالقطار .. ترجلت من سيارة الأجرة التي أقلتني إلى هناك بعد أن قررت عدم الذهاب بسيارتي الخاصة هرباً من الزحام الشديد الذي يملىء الشوارع في هذه المدينة، ولأني مقتنع بأن الزحام الذي في نفسي كافٍ ليأخذ مني كل طاقة قد أسخرها لأي شيء غيره.

دخلت إلى قاعة المحطة وأنا أنظر إليها وإلى كل زاوية فيها كالذي يبحث عن شيء ما، وكأني أبحث عن ضالة لي فقدت مني هناك .. فقد مضى زمن بعيد على آخر مرة زرت فيها هذه المحطة فأنا لست من عشاق السفر على متن القطارات.

كانت أنوار المحطة خافته ولا يوجد بها أحد في أماكن الاستقبال وشبابيك التذاكر ما عدا قلة من الناس كانو جلوساً في صالة الانتظار، أدركت حينها أن هناك أمر ما .. فلقد بدت لي المحطة للوهلة الأولى وكأنها بيت أشباح قد هجره أهله منذ زمن خاصة وأن الغبار كان يغطي كل زاوية فيها.

كنت متوجها نحو تلك الشبابيك المهجورة حين قاطع تفكيري صوت أحدهم وهو يقرأ القرآن بصوت جهوري فأدركت أنه قد حان وقت الصلاة، هرعت مسرعاً إلى هناك .. كانت غرفة مزدحمة قد وقف كل من بها مستقبلاً القبلة في خشوع يصلي ويدعو ربه.


توجهت بعدها إلى قاعة صغيرة كتب عليها " مطعم ومقصف " ولست أعرف في الحقيقة ما الفرق بين الكلمتين .. كنت أتضور جوعاً عندما دخلت إلى هناك ولاكني أحسست بالإكتفاء بمجرد أن وقعت عيني على ما كان لديهم من أصناف الطعام ورغم ذلك كنت أريد قتل الوقت الذي أحسن أنه يمر بطيئاً ويقتلني بدلاً من أن أقتله.

طلبت من ذاك الرجل القابع خلف تلك الطاولة أن يعد لي وجبة خفيفة لأسد بها جوعي، أنهيت طعامي وتوجهت بعدها إلى صالة الانتظار حيث كنت أضع أمتعتي .. جلست على أحد الكراسي بعد رحلة بحث عن كرسي نظيف يليق بثيابي الناصعة النظيفة ولم يكن ذلك الكرسي أفضل بكثير عن البقية.

وفجاءة .. ودون سابق إنذار خرجت مني زفرة حارقة بمجرد أن ألقيت بجسدي المنهك على ذلك الكرسي حتى أنها زادت من حرارة الجو في تلك الصالة المغلقة، ولاكن مأمور المحطة قاطع زفرتي تلك وهو يقول: نود أن نلفت الإنتباه بأن قطار الساعة الخامسة والقادم من ........... قد وصل إلى المحطة الآن .. شكراً.

لم أعد أحس بطول الوقت كما كنت في السابق لأن كثرة التفكير كانت تبدد طول الوقت، فما أكاد أفيق من رحلة التفكير الطويلة التي تأخذني معها بين الماضي والحاضر والخوف من القادم حتى تنقضي تلك السويعات وأنتهي معها بصداع فضيع يكاد يشق رأسي.


حان الآن وقت الصعود إلى القطار، وياله من زحام .. إلى أي سيذهب كل هؤلاء الناس يا ترى .. يا سبحان الله الكل سوف يدخل من نفس البوابة ويصعد القطار ذاته إلى أن كل واحد منهم له وجهه مختلفة تماماً عن الآخرين.

ركبت القطار، و أول ما لفت نظري هو ذاك الفاصل بين العربات " ياله من موقف " تذكرت حينها كم كنت أخشى المرور على المنطقة التي تربط العربات بعضها ببعض خوفاً من أن تنفصل تلك العربات وأبقى أن في المنتصف واقفاً على الا شيء .


وكما حصل في المحطة من قبل بدأت رحلة البحث عن مكان مناسب ومريح لأن الرحلة طويلة ولا أحب الجلوس بجانب المتطفلين ممن يحاولون أستراق النظر لما كنت أكتبه.

بدأ القطار بالمسير بعد أن أطلق صافرات مدويات معلناً بها بداية رحلتي إلى هناك حيث تركت قلباً مجروحاً بين من أحبهم وأستوصيتهم بله خيراً وقد بلغ بي الشوق لهم ما بلغ .. ولكن اتسأل في داخلي: هل لا مس الشوق لي شغاف قلوبهمم ؟!


تمت ..

ليست هناك تعليقات:

طهر وبراءة

طهر وبراءة
ما أجمل الحياة حينما ننظر لها بعين طفل